Monday 26 October 2009

مروة الشربيني شهيدة الحجاب والعنصرية ضده


د.نورة خالد السعد
مع الاحتجاجات التي شهدها الشارع المصري وهو يشيع جنازة الشهيدة بإذن الله الأخت مروة الشربيني التي تم اغتيالها بـ 18 طعنة بالسكين في داخل المحكمة!! والحملة الإلكترونية التي تنفذها مجموعات من المناهضين لهذا الاعتداء عليها وأين؟ في ساحة القضاء الرمز المفروض للعدالة والأمن!! ومع إدانة المركز الإسلامي في ألمانيا للجريمة النكراء التي ارتكبها ألكس هذا الشخص الذي يقال الآن إنه يعاني خللا نفسيا!! وهو كما ذكر عنه لا يحمل شهادة مدرسية، إذ لم يستطع إكمال دراسته، واشتغل عاملا دون كفاءات أو مهارات تذكر في أحد المخازن، وعاش في ألمانيا على المعونة الاجتماعية ويقطن في المبنى الذي تقيم فيه مروة مع زوجها وطفلها.
مع هذه الجريمة التي لا بد ألا تمر بهدوء، كالعادة . فالأحداث فيها سريعة وقصيرة كحياة الشهيدة فكما قيل 32 ثانية مضت ما بين إقدام القاضي على قرع جرس الخطر وإسراع رجال الشرطة للإمساك بالقاتل، ولكنها كانت كافية لينفذ جريمته، فقد أجهز خلالها على الضحية بـ 18 طعنة بالسكين عليها، فقتلها وهي حامل في الشهر الثالث، وأصاب ابنها مصطفى (دون الرابعة من العمر) بجروح، كما أصاب زوجها بجروح خطيرة، إضافة إلى إصابته في ساقه نتيجة رصاصة طائشة من جانب رجال الشرطة. هذا السيناريو يمر أمامنا وكأننا نعيشه، ومن خلال تقارير مصورة توضح مكان إقامتها وزوجها في مدينة درسدن في ألمانيا ومكان الأرجوحة التي كانت مثار الشجار بين الجاني الذي تجاوز الـ 28 في ملعب للأطفال، وكان يرافق طفلة من أقاربه تلعب بالأرجوحة ، ورأت الأم مروة أن الطفلة الصغيرة في مثل عمر ابنها مصطفى، فسألت الرجل أن يجلسا معا في الأرجوحة بعد أن طال جلوس الطفلة فيها. وبدلا من أن يوافق أو يعتذر، بدأ يكيل لها الشتائم، وقيل إنه سحب حجابها منها في إحدى المرات فهو يقيم معها في المبني نفسه. وتقدمت هي بشكوى ضده في المحكمة وصدر بحقه لهذا السبب حكم سابق بغرامة مالية بقيمة 780 يورو بسبب الإهانات، وانتقلت القضية إلى محكمة الاستئناف بناء على طلب الجاني، فقد بقي خلال المحكمة الأولى والثانية غير قادر على استيعاب أن عليه دفع غرامة ما. وربما يتساءل بينه وبين نفسه: وبسبب من؟ بسبب إرهابية كما كان ينعتها!!., فكما ذكر أنه يتهمها بالإرهاب لأنها ترتدي حجابا!! وهو الرمز الديني الذي يثير الرعب في توجهات البعض بعد أحداث أيلول (سبتمبر) والاستراتيجية المنهجية للتحريض على المسلمات وعلى المسلمين بشكل عام.
اتضح لاحقا بعد الجريمة أن هذا الجاني كان قنبلة موقوتة على حد تعبير أحد المحققين، وأن المحاكمة لم تكن مجرد خلاف قضائي بسيط، ودعوى معتادة نسبيا للتعويض بغرامة مالية على إهانات سابقة.
يقول نبيل شبيب وهو كاتب ومحلل سياسي مقيم في ألمانيا: (ولئن كانت الجريمة حادثة قائمة بذاتها من الناحية القانونية، فلا يمكن اعتبارها منفصلة عن الخلفية الاجتماعية والثقافية والإعلامية والسياسية المرتبطة بها بشأن وجود الإسلام والمسلمين في ألمانيا، وفي الغرب عموما، وعن آثار «حقبة الإرهاب الفكري والاجتماعي وحتى التشريعي» في نطاق ما سمي بـ «الحرب ضد الإرهاب» وشمل الحروب الدموية الاستباقية المدمرة، والحملات السياسية والإعلامية المتواصلة، كما شمل ما يمكن وصفه بالإجراءات الاستباقية على صعيد تشريع القوانين الاستثنائية - كما توصف - وجميعها يدور حول محور متابعة المسلمين ومحاصرة مظاهر التزامهم بالإسلام، وأخذ كثير منهم بالشبهة.. وجميع ذلك باسم مكافحة الإرهاب، حتى أصبحت مكافحته في حد ذاتها ممارسات إرهابية.
إذا طبقنا هذه المعلومات على الحدث نفسه سنجد أن الشرطي الذي أطلق الرصاص لم يوجهه للجاني بل وجهه لزوج الشهيدة؟؟ كيف تم هذا؟؟ ألا يلفت النظر أن يقوم الشرطي الذي يفترض أنه يسيطر على الوضع لحماية المجني عليها وليس العكس؟
ثم شتائم الجاني والمجرم ألكس التي كان يطلقها على مروة وحجابها تردّد ما هو معروف من أوساط المتطرفين المعادين لكل ما يحمل مواصفات أجنبي والمتصاعدة ضد كل ما هو إسلامي، - كما ذكر ذلك الشبيب - وقد كان مما وصفها به أنها «إسلامية إرهابية»، مما ينسجم مع ما لا ينقطع ذكره في وسائل الإعلام، وينشر الشبهة التعميمية، أن كل من هو مسلم، لا بد أن يكون إرهابيا، أو مساندا للإرهاب، أو من الخلايا النائمة.
وكما هو معروف أنه منذ أحداث أيلول (سبتمبر) والهجوم على الإسلام واتهام المسلمين جميعا بالإرهاب فقد تأثر بهذا الهجوم الشعب الألماني وكانت وسائل الإعلام هناك تحاول تغطية رغبة الجمهور في معرفة المزيد عن المسلمين بتقديم عدد كبير من المقالات حول الإسلام والعالم الإسلامي، لكن يبقى معظم هذه المقالات سطحيا وبمضمون يشوّه صورة الإسلام والمسلمين غالبا. كما يشكل مصدر إضرار بهم، دون أن يسهم في نشر مفاهيم وتصوّرات أفضل عنهم.
وقد ذكرت الكاتبة رائدة شبيب منذ سنوات في إحدى مقالاتها عن الوضع الأمني للمسلمين هناك: (أنه رغم الاستعانة «بخبراء غير مسلمين» للكلام عن قضايا المسلمين ولتفسير ما يحدث في العالم الإسلامي أو التعليق عليه، فقد ازداد الاهتمام بتقديم وجهة نظر المسلمين أيضا، والاستعانة بالمسلمين المقيمين في ألمانيا لإبراز قضاياهم ومواقفهم!!. ولكن نجد أن الإعلام الألماني يتبنى - دون تمحيص أو نقد - تقديم العرض والتفسير الرسمي الأمريكي لمجرى الأحداث، بما في ذلك استخدام مصطلحات وتعابير خطيرة دون تمييز، مثل «الحرب ضد الإرهاب»، وتقديم مفاهيم مشوهة متضمنة لمعانٍ عدوانية، مثل وصف المسلمين بـ «جنود الرب»، أو الحديث عن ضرورة «الدفاع عن الحضارة الغربية»، أو تعبير «النائمين»؛ بمعنى الأفراد الذين لا يلفتون الأنظار إليهم ولكن سبق إعدادهم للقيام فجأة بعمل إرهابي.
وهكذا يؤدي استخدام هذه التعابير بصورة مستمرة - مع ضعف عرض حقيقة الأحداث الجارية، وتبني وجهة نظر إعلامية ضمن نسق واتجاه معين - إلى ترسيخ مشاعر الخوف والخطر وعدم الشعور بالأمن حيال المسلمين. وهذا ما يؤدي بالضرورة أيضا إلى نشر نوع من الكراهية والارتباك في العلاقات معهم).
والآن وفي هذه المرحلة كما يوضح الشبيب: «انطلقت حملات التوعية من داخل المجتمع الألماني، وبمشاركة كثير من المسلمين (وقد ناهز تعدادهم فيه أربعة ملايين ونصف المليون، أكثر من نصفهم من أهل البلاد الأصليين أو المتجنسين)، ولكن مفعول هذه الحملات لم يصل إلى أوساط المتطرفين، لا سيما عندما يتلاقى التطرف مع سوء الأحوال المعيشية، نتيجة ازدياد انتشار البطالة والفقر في ألمانيا على نطاق واسع، والدعاية اليمينية المتطرفة منذ تسعينيات القرن الميلادي العشرين، ومنها أن الأجانب يحتلون أماكن عمل العاطلين من الألمان، وهو كلام مردود بالأرقام «.
**هل مروة شربيني كانت ضحية التطرف اليميني هناك أم قصور أداء المجلس الأعلى للمسلمين الذي تشكل حديثا في ألمانيا؟ أم قصور أداء سفارات الدول العربية والإسلامية التي لا تتحرك إلا عند الكوارث؟؟ ما يلفت النظر أن الاهتمام الإعلامي في ألمانيا بهذه الجريمة كان ضعيفا، وقد انعكس في اقتصار معظم وسائل الإعلام على نقل الخبر مختصرا دون ربطه بخلفية عداء عنصري،!! ولم يطلق على هذا الجاني أنه (إرهابي)!!
أيضا مقارنة بالإثارة التي عمت وسائل الأعلام الأمريكية ومن يحسب عليها من قنوات عربية وبعض الصحف هنا عند مقتل الإيرانية (ندى) برصاصة طائشة, وكيف تكرر بث مقتلها على مدى أيام!! ونشرت صورتها على الصفحات الأولى في صحف لا تهتم إلا بما هو ضد أمور المسلمين!!
وما حدث للشهيدة مروة هو طعنات متعمدة وفي المحكمة وأمام القاضي!! وأمام طفلها الصغير الذي أصيب أيضا في هذه الجريمة؟؟!!